ضمانات الاستقرار الاسري3\3

ضمانات السلام الاسري(3|3)
2- تعدد الزوجات
– إن الإسلام لم يبتدع التعدد ، إنما كان شائعًا في كثير من الأمم القديمة ، وكان معروفًا لدي الفرس والروم والآشوريين والبابليين وغيرهم من الأمم وشريعة بني إسرائيل كانت تبيح للرجل أن يتزوج بما شاء دون تقيد بعدد  والعرب في جاهليتهم كانوا يعرفون تعدد الزوجات ويذهبون فيه كل مذهب ، ولا يقفون به عند حد . فقد روي عن قيس بن الحارث قال : أسلمت وعندي ثمان نسوة ، فأتيت النبي صلي الله عليه وسلم فذكرت ذلك له ، فقال : " اختر منهم أربعًا " رواه أبو داود وابن ماجه . وعن عبد الله بن عمر قال : أسلم غيلان الثقفي وتحته عشر نسوة في الجاهلية فأسلمن معه ، فأمره النبي صلي الله عليه وسلم أن يختار منهن أربعًا . رواه أحمد والترمذي وابن ماجه . وعن نوفل بن معاوية قال : أسلمت وتحتي خمس نسوة فسألت النبي صلي الله عليه وسلم ، فقال : " فارق واحدة ، وأمسك أربعًا " رواه الشافعي والبيهقي .
     – موقف الإسلام من مشكلة التعدد موقف يشهد ببراعته ، ويدل علي دقته وحكمته ، فهو يمنع تعدد الأزواج لأنه ينافي الفطرة السليمة ، ويعادي الطبيعة المستقيمة ، لكنه بجانب هذا يبيح تعدد الزوجات دون أن يرغب فيه أو ينهي عنه ، ويشترط لإباحته ضمان العدل وأمن الجور . وفي هذا يقول المولي :
{ فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ }. [ النساء : 3 ]
. ونفهم هذه الآية في ضوء ما رواه البخاري عن عروة بن الزبير أنه سأل عائشة رضي الله عنها قال لها : يا أماه ( وَإِنْ خِفتُم ألا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى ) إلي ( مَا مَلّكَتْ أَيْمَانُكُم ) قالت عائشة : " يا ابن أخت ، هذه اليتيمة تكون في حجر وأيها فيرغب في جمالها ومالها ، ويريد أن ينتقص من صداقها ، فنهوا عن نكاحهن إلا أن يقسطوا لهن في إكمال الصداق ، وأمروا بنكاح من سواهن من النساء " . ففي ضوء هذا الأثر نستطيع أن نقرر: أن الآية نص في التعدد ودليل علي أن الله أباح لنا أن نتزوج من النساء إلي أربع بشرط أن نتيقن العدل معهن ولا نظلم واحدة منهن ، فإن خفنا عدم العدل وتوقعنا الشطط فلا يباح سوي واحدة ويكون الاقتران بأخرى عند ذلك ممنوعًا .

    – العدل الذي يشترطه الإسلام هو الداخل في نطاق الوسع والطاقة من النفقة والمبيت ، وليس المراد به ما يشمل ميل القلب ، فهذا أمر خارج عن الطاقة ، وقد رفعه الله عن العباد ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) ، ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) ، ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) . وسنة الرسول صلي الله عليه وسلم تقرر هذا وتؤكده ، فقد كان عليه الصلاة والسلام يتحري العدل بين أزواجه في القسم ، ولا يميز واحدة علي أخري ، ثم يعتذر عما لا يقدر علي التصرف فيه وهو ميل الفؤاد ، ورغبة النفس واتجاه القلب . روي الأربعة عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يقسم فيعدل ويقول : " اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك " – يعني القلب.
     – تحريم التعدد علي إطلاقه قول في دين الله بغير علم ، بل الإسلام يبيحه وينظمه ، ويؤكد هذا أن الإسلام عمل علي تنظيمه ، فبعد أن قال المولي : { وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف } [ النسا : 23 ]  ، فالآية الكريمة تدل علي منع الجمع بين الأختين ويحمل عليه ما شابهه مما أشارت إليه السنة ، روي البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال : " لا يجمع بين المرأة وعمَّتِها ، ولا بين المرأة وخالتها " ، فتحريم هذا الجمع وإباحة ما سواه]تنظيم للتعدد ودليل علي جوازه . ومثل هذا ما رواه أصحاب السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : " من كانت له امرأتان ولم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه ساقط " ، فهذا يصرح بوقوع التعدد ولا يمانع فيه ، إنما يمانع في الجور ويعاقب عليه .
    الشريعة الإسلامية في إباحتها للتعدد إنما اعتبرته نوافذ ضيقة لحالات استثنائية اضطرارية وأدوية محدودة لحالات قائمة ، وقد سلكت فيه مسلكا سائغًا ومقبولا ، لا غلو فيه ولا إفراط ، ولعل فيما هو منتشر الآن من فوضى جنسية واستباحة الأعراض والتفسخ الأخلاقي والتخالل السري والعلني . في البلاد التي لا تسمح نظمها بالتعدد وتحتم علي أتباعها الاقتصار علي واحدة مهما كانت الظروف والأسباب ، ما يكفي كدليل قاطع علي سمو التشريع الإسلامي وحكمته التي يلتقي فيها مع الإنسان في فطرته وواقعه ، ويتوافق مع شئونه وملابسات حياته لأنه ينظر إليها من جميع زواياها القريبة والبعيدة .
هوامش
الاستاذ سيد قطب بتصرف من كتاب الاسلام و السلام العالمي

0 لأضافة تعليق:

إرسال تعليق